اليقظة الروحية - الطريق نحو التنور!
https://ar.srimathumitha.com الصورة
نقلا من موقع:
💡يشير مصطلح اليقظة الروحية إلى التحول الذي يحدث للفرد
في فترة من فترات حياته، فينتقل خلالها من حياة الغفلة إلى عالم الوعي والتنوير، والاتصال
الدائم بالمصدر!، إنها حالة الاتحاد الدائم مع الإله، والمصطلح دائمًا ما يكون
مرتبطًا بالفكر الشرقي القديم، فقد كانت اليقظة الروحية تمثل هاجسًا لدى الكثيرين
من فلاسفة الشرق وكهنة المعابد، الأمر الذي أدى إلى اختصاصهم بعقيدة التوحيد دون
سواهم.
فاليقظة الروحية هي طريق التوحيد؛
وإن شئت فقل طريق التوحد مع الجوهر المطلق، عن طريق ممارسة الطقوس والشعائر
المرتبطة بالروح، وهذا يعني سيادة الروح على
الطبيعة وعلى الفرد وعلى المجتمع، ويلعب الوعي الجمعي دوره في إضفاء العقيدة
والتصديق بحقيقة الصيغ والتعويذات التي يتم صنعها من أجل استدعاء الروح الآلهة!
ومن وجهة نظر فلاسفة الفكر الشرقي القديم؛ فإن اليقظة
الروحية تأتي كخطوة مهمة لفهم سيادة الروح، وبدونها لا يمكن استطراق عالم
الغيبيات، بمعنى آخر؛ فإن الإنسان المتنور الذي حصل له اليقظة الروحية في الفكر
الشرقي القديم حين لم يكن يجد التفسير المنطقي للأمور التي كانت عصية عن التفسير؛
استطاع أن يقنع أفراد مجتمعه من خلال الطقوس والشعائر الروحية، ومن ثم أصبح
إنسانًا واعياً يعيش ضمن الحضرة الإلهية، ويتجلَّى القدر في واقعه بإرادته
ومشيئته!
إن حالة اليقظة الروحية يعني الوصول إلى الوعي الكوني،
وهو وعي يتطلب من الفرد البقاء متيقظًا روحيًا يصبح من خلالها في حالة اتحاد مستمر
مع الإله. إلا أن الأهم في القضية هو الارتباط بالتقاليد الدينية الروحية للوصول
إلى النشوة، نشوة من شأنها ذوبان النفس في الروح الكونية، ورؤية العالم على أنه
مظهر من مظاهر الحقيقة الإلهية.
وبالتالي فإن تحقيق اليقظة الروحية
تختلف من ثقافة لأخرى؛ فاليقظة الروحية في الفكر الفلسفي الهندي يسمى
"تحررًا"، ويمكن فهمها من خلال مفهوم "ساهاجا سمادهي-sahaja smadhi" وهي
أعلى مراحل الوعي الكوني، والوصول إلى ذلك النوع من الوعي يعني حصول الاتحاد مع
الإله، وتحقيق النشوة "بهافا"، وبحسب تعبير "الأوبانيشاد"
تصبح النفس "أتمان" متحدة مع روح القوة المنتشرة في الكون
"براهمان"، ومعايشة تجربة نعيم النشوة "إن النعيم والبهجة طبيعة
البرهمان".
واليقظة الروحية في الفكر البوذي
يسمى "تنوير"، وهي على مختلف مذاهبها فإن أول خطواتها هو رفع حالة الوعي
الكوني من خلال ممارسة التأمل وتحقيق السكون
العقلي والتركيز على النفس، ويلعب الجانب الأخلاقي وممارسة الفضيلة المنعكس على
الذات والمتمثل في تحرير النفس من الأنا دوره في تنمية الوعي المؤسس لليقظة
الروحية والموصل إلى إدراك طبيعة "بوذا" الكامنة في جميع الكائنات!
والتنعم بمخاطبته في إطار نشوة الخلود الروحي.
واليقظة الروحية في التعاليم "التاوية" مرتبطة
بمفهوم الـــ"مينغ-Ming" وهي
حالة يمكن تصورها من خلال تفريغ الذهن وبقائه في حالة سكون على النحو الموجود في
التأمل البوذي؛ إلا أنه يختلف عنه من ناحية المضمون، ففي حالة الــ"مينغ"
تتحقق اليقظة الروحية من خلال السماح للتاو بالعمل في الذات، إنه الاستسلام وتفريغ
الذهن والعيش في حالة من النشاط غير الفاعل، "كن فارغًا؛ هذا هو كل شيء، إن
أمثل استخدام لتفكير الإنسان هو أن يكون كالمرآة".
ولئن كانت "اليقظة الروحية" مرتبطة بالتعاليم الدينية الروحية؛ فإن تلك التعاليم قد انعكست على التصوف الفلسفي، وأصبح الصوفي المتفلسف قطبًا وغوثًا أعظم "يملك الطلسم الذي يشرح الكون"، وبالتالي فإن اليقظة الروحية عند أرباب التصوف الفلسفي قائمة على الخلوة والانقطاع عن الخلق، والاختلاء في المغارات والكهوف، والامتناع عن الطعام والشراب، ومجاهدة النفس للحد من شهواتها، وتحقيق الفناء في الإله، ومن ثم الوصول إلى حالة نفسية ينظر من خلالها إلى نفسه على أنه هو، وأنه الحق، وفي هذا السياق تظهر المصطلحات الصوفية مثل المزج الروحي، والسكر، والدهش الفجائي، إلا أن اليقظة الروحية عند أرباب التصوف الفلسفي يمكن تصوره من خلال نشوة السكر والوجد، وإليك هذه الأبيات التي تصور حالة اليقظة الروحية عندهم:
ســــقـــانـــي حـــبيبـي من شـراب
ذوي المجـد |
|
فــاســــكــرني حـــقًـا فـــغـــبـت
عــــــلى وجــــد |
وأجـــــــلســني في قــــــــاب
قــــوســين سيــــدي |
|
على منبر التخصيص في حضــرة المجـــــــدِ |
حضرت مع الأقطاب في حضرة اللقا |
|
فـــغــبــت بــه عــنــهـــم وشـــاهـــدتــه
وحدي |
وهذه اليقظة الروحية التي أوصلته إلى أن يكون حاضرًا مع
"الله" والعياذ بالله ويسميها بعض المعاصرين بأنه سكر روحي تطرب فيه
النفس أشد الطرب لاكتشاف الحقيقة، وهي مكاشفة "الحق" للروح بسره، وبأنه
هي وهي هو".
والمكاشفة الحقيقة هي أن اليقظة الروحية في كل ثقافة
وفكر كانت تمثل الجانب الشعائري، وينظر لها على أنها طقوس دينية مرتبطة بالتعاليم
المقدسة أيًا كان مصدرها، بينما هي في جانب "التصوف الفلسفي" لم تستطع
أن تبرهن على حقيقتها الشرعية، وشرعيتها الحقيقية هي أنها تتخذ من الفكر الشرقي
القديم مصدرًا لها، وتمثل مدخلا لاختصاص القوم بعقيدة الخواص دون غيرهم من العوام.
إن اليقظة الروحية يعني التواصل بين
الجوهر الكوني وبين أعمق أجزاء الذات الإنسانية، وهي مؤسسة على مراقبة الانتباه
والاستماع إلى الصوت الداخلي والتعرف على حكمة الجسد، ومعايشة تجليات الوعي الكوني
في اللحظة الراهنة، والاندماج مع الكون،
والمشاركة معه في التدبير وخلق القدر، ولا يمكن فعل كل ذلك إلا من خلال الالتفات
إلى البذور العشرة للوعي الكوني، وهي الالتزام بممارسة التأمل بتقنياته ومناهجه،
والتعاطف مع الصوت الداخلي، والفضول لاستكشاف الذات بواسطة السكون، والشجاعة
لقبول التجليات، والتمركز لإدراك المعرفة الحدسية، والتعاون مع
اللامادي أو المعطيات من وراء الحدس، والاتصال مع العالم الغيبي، والثقة
بنتائج الوعي، والابتهاج من خلال الخلق، والمعاودة من أجل الوصول
إلى الكمال.
وبذلك يتضح أن اليقظة الروحية وطريقها الوعي الكوني هي
أداة التنوير الذي يسمح بالانفتاح على العوالم الأخرى، وهي ليست إلا تجسيدًا حقيقيًا
للتأمل البوذي المفضي إلى تحقيق الـ"نرفانا"، وقد كانت في السابق حكرًا
على ثلة من الرهبان والمتنسكين، وأصبحت اليوم تقدم في إطار التنمية البشرية وتطوير
الذات.
وإن اليقظة الحقيقية تتجلى من خلال تحقيق العبودية لله
رب العالمين، ومعرفة مقدار عظمة الله وسلطانه، وما قدروا الله حق قدره حين توجهوا
إلى الكون وإلى الوعي وإلى الروح فجعلوها أربابًا من دون الله، وظنوا أنهم من خلال
استطراقهم للعوالم الغيبية وتحصيل المعرفة من وراءها أنهم يحصلونها من عند الله،
فسموها "معرفة إلهية".
وهذه اليقظة الروحية التي ينظر لها الفلاسفة ليست إلا ضربًا من عالم الخيال، ويتولد منها العجز والكسل، لأنها مجرد أماني؛ لا واقع لها إلا في ذهن المتأمل، والسكون إليها واستجلابها مهلكة للنفس، وصرف الفكر فيما أمرت النفس بالتفكير فيه إلى ما لا طائل من التفكير فيه، والأفضل منها أن يفكر المسلم في خلق الله، ويتدبر عظيم صنع الله، فهي تورث في القلب خوفًا وخشية لله رب العالمين، وهذا هو هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أعرف الناس بربه، وأعلاهم مرتبة، وكان أتقاهم له وأخشاهم وأعظمهم محبة له، وكان يقرأ القرآن ويتدبر معانيه، وكان يحب أن يسمعه من غيره، وكان يبكي من شدة تأثره به، وكان يصلي وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء، خشية من الله تعالى.
فالتزام المسلم بتعاليم دينه الحنيف هو طوق النجاة، والتمسك
بالكتاب والسنة هو مفتاح النجاح، وبهديهما تحصل السعادة الدنيوية والأخروية.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهدانا إلى الحق والصواب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
@HossainAlsyed
تعليقات
إرسال تعليق