الطاقة الكونية بين مطرقة العلم وسندان الوهم.
💡 الطاقة_الكونية ليست علما حديثاً، وإن كنت أتحرز في
تسميته علما، وإنما هي فكرة نابعة من الفكر الشرقي القديم ونظرته للكون، وبالتالي
فإن ارتباط الفكر الإنساني بالطاقة الكونية هو ارتباط قديم قدم التاريخ.
لقد حاول الإنسان قديما أن يستكشف عالمه، وحاول الاتصال
بالعوالم الغيبية الخفية، وقد نجح في ذلك الاتصال؛ إلا أنه لم يستطع أن يفسر تلك
الظواهر الكونية، فكانت عصية عن التفسير وبما أنه لم يجد لتلك الظواهر تفسيرا، فقد
ظلت ضمن أسرار المعبد، واختص بتعاليمها رجال الدين وكهنة المعبد.
ومن هنا ظهرت الترانيم المقدسة وصيغ التعاويذ التي تحصن بها
الإنسان، واتقد أنها تحميه من الطاقات السلبية، وأصبح هناك قوة يستعين بها الإنسان
البسيط ويحصن بها نفسه.
وهذه القوة استمدها رجال الدين وكهنة المعبد من خلال
استطراقهم للعوالم الخفية، وقد بين الله لنا ذلك في كتابه العزيز فقال عز من قائل: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)ﭐ، قال العلامة
السعدي: "كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع، فزاد
الإنس الجن رهقا وطغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم".
ولم تكن هناك حاجة لكشف تلك العلوم الباطنية، وظلت سرا
من أسرار المعبد، ولا يتعلمها إلا من أفنى عمره في ممارسة الرياضات الروحية، ومن
هنا ظهرت أهمية تلك الرياضات لأنها تربط الإنسان بتلك العوالم الخفية.
وفي ظل التقدم العلمي وما توصل إليه الإنسان من مكتشفات
علمية ونظريات فيزيائية وفي ظل الثورة الصناعية التي أحدثت فارقا كبيرا بين الإنسان الماضي والحاضر، وما توصلت إليه البشرية من
ثورة تقنية كلها ساهمت في إعادة صياغة الفكر الباطني الحديث.
وبالنظر إلى عهد الزراعة فإن الإنسان لم يكن يملك إلا
وضع البذرة، ومن ثم يذهب ليقدم القرابين للآلهة كي تحفظ له زرعه من غضب الطبيعة، وكان
الإنسان الزراعي في حاجة للاستلطاف رحمة الطبيعة وفهم الكون، ومن هنا ظهرت أهمية
ممارسة التأمل في الطبيعة والكون.
وحين تحول الإنسان من عهد الزراعة إلى عهد الصناعة لم
يعد بحاجة إلى ممارسة تلك الطقوس، بل أصبحت تلك الظواهر التي كانت عصية عن التفسير
وظلت ضمن أسرار المعبد علما معضدا بالأدلة والبراهين!!
إن تسخير العلم لإضفاء الحجية والبرهان على أمر كان عصيا
عن التفسير من قبل لهو أمر يدعونا للنظر والتفكر، والسؤال الذي يردنا هنا هل نطوع
التجربة للدليل أم أن الدليل يقودنا للحقيقة؟
في الفكر الشرقي القديم استطاع الحكماء والفلاسفة أن
يجعلوا من الطاقة الكونية (الروحية) فلسفة شاملة لكافة مناح الحياة، فبها يتحصن
الفرد، ومن خلالها يشفى المريض، وعليها يستند الحكيم في تنوير مجتمعه، وفي إطار
الاستشفاء والمعالجة يقوم الحكيم باستقطاب الطاقة الكونية ومنحها للمريض من أجل
الشفاء، والتبرير الذي يقدم للمريض في تفسير مرضه هو أن القنوات التشاكرية أصابها
العلل، والأمر يحتاج إلى كنس تلك القنوات وإعادة شحنها!
بينما العلم الحديث لم يثبت أن في جسم الإنسان مثل تلك
القنوات، وأساسا فإن هذه القنوات تختلف وجهات النظر فيها، فالفلسفة الهندية قدمت
تصورًا، بينما الفكر الصيني تميز بتصور آخر، واختلاف وجهات النظر في القضية كاف
للتشكيك فيه؛ فالحقيقة واحدة ولا يمكن أن تتعدد.
والمهتمين بالطاقة الكونية لا يتطرقون لهذا الجانب من
الناحية العلمية، ولكنهم يطوعون العلم من أجل إثبات تعرض القنوات التشاكرية للعلل
والأمراض والحكم على الشيء فرع عن تصوره.
والعلم الحديث حين أثبت دورة إنتاج الطاقة في جسم
الإنسان عبر الخلية، وجد أصحاب الفكر الباطني بغيتهم في تلك الفرضيات العلمية،
ونحن نقول لهم "الاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقة"؛
ذلك لأن مفهوم الطاقة في الفكر الشرقي القديم يختلف تماما عن مفهومه في الطب
والعلوم، والفكرة تدول حول القوة السارية داخل الكون، وينظر إلى تلك القوة على
أنها مظهر من مظاهر تجلي الإله، وهي فلسفة قائمة على فكرة وحدة الوجود على اختلاف
في التصور بين الثقافات المختلفة
كما أن اثباتهم للجسم الأثيري بناء على تجارب
"كيرليان" لم يقبلها المجتمع العلمي بدلالة الاستقراء، وهو لم يستطع
إثبات الجسم الأثيري وهالاته السبعة، وغالب ما أثبته هو الإشعاع الناتج عن بعض
الأجسام نتيجة للغازات الموجودة حولها أثناء التصوير.
هذا على فرض صحة تقريره، وإلا فإن الأجسام التي صورها لا
تتفق كلها على نمط معين، فبعضها ليس فيها إشعاع كالأجسام التي مصدرها نباتي، ولم
يتمكن أحد من تصوير الأجسام الأثيرية حتى الآن، فما بالك بمن يزعم بنظرية الحبل
السري الفضي الذي يربط الجسم الأثيري بالمادي!
ومن صور تطويع العلم للخرافة والوهم تفسيرهم لحالة
الاتصال بين الإنسان وبين العوالم الغيبية الخفية على أنها ذبذبات وترددات! وهذه
النظرية وإن كان لها حضورا عند الفيزيائيين، إلا أن أصحاب تحضير الأرواح استندوا
على هذه النظرية لتفسير الحالة التي تعتريهم.
وفي الأخير يظل تطويع العلم للخرافة والوهم من أبرز السمات
التي تميز بها الفكر الباطني الحديث، وهي محاولة لإعادة صياغة المعرفة الباطنية
القديمة في إطار علمي، وهي خطوة لا بأس بها، شريطة أن تقودنا الأدلة للحقائق
العلمية، لا أن نطوع التجربة للدليل وعلى مبدأ "ءامن ثم فكر!
والمعرفة أيا كانت إذا لم تكن ذا مصدر معصوم من الخطأ
فهي معرفة لا يمكن الوثوق بها، فكيف إذا كانت ناتجة من تعرض العقل والبدن لما هو
مناف للفطرة السليمة، والميزان الصحيح لكلام البشر هو الوحي الإلهي، وفهمنا له
يكون بامتثال صحيح وفهم صحيح ونظر صحيح بلا اعتراض ولا شرك ولا ابتداع.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهدانا إلى الحق والصواب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب
العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق