نقد قاعدة الشبيه يجذب إليه شبيهه

 


💡 إن من بديهيات المعرفة أن الحقيقة واحدة، ولا يمكن أن تتعدد، بينما الوهم لا يمكن أن يكون هو الحقيقة وقد يتعدد بحسب الافتراض الواقعي، لكنه لا ينكر نفسه.

فالساحر يقدم للناس الواقع الذي صنعه وهو في حقيقته واقع وهمي، لكن ما يخيل إلى أذهان الناس أنه واقع حقيقي، وهذه الحقيقة الزائفة لا تساوي شيئاً أمام الحقيقة المطلقة، وكلما ابتعد الإنسان عن الحقيقة كلما اقترب من دائرة الوهم.

ابتعاد الإنسان عن الحقيقة هو في حد ذاته وهم حين يظن أن كل مصادر المعرفة لا تساوي شيئاً أمام المعرفة الباطنية المنعكسة على النفس جراء اتصالها بالروح الكونية أو العقل الكلي أو الطاقة الروحية المتذبذبة في كل ذرة من ذرات الكون.

وحصر المعرفة على النفس دون سواها خلل في المنهج يؤدي إلى افتراض وجود عالمين، عالم مادي وهمي زائف، وعالم روحي مثالي مقدس، ولأجل بلوغ العالم الروحي يجب نكران الذات المادي كمبدأ أولي، مع اختلاف وجهات النظر حول طريقة التعامل مع ذلك المبدأ، فتعددت الأساليب، تارة بإهمال الجسد وتعذيبه وتعريضه لما هو مناف للفطرة السليمة بدعوى أن العالم ليس إلا وهم مزيف، وأن الوجود حقيقة واحدة وهي حقيقة الـ"براهمان"، وما سواه فهو مجرد وهم. وأخرى بتجريد الفرد نفسه من المادة وتحقيق التوازن بين الجسد الذي يمثله الأرض، والروح التي تمثلها السماء، ويظل الإنسان هو محور ذلك التوازن؛ فالسماء تؤثر في حياة الإنسان، كذلك هو يؤثر بأعماله على الأرض، وأعمال الشر تؤدي إلى اختلال التوازن الكوني، وثالثة من خلال تأمل خاضع للمراقبة النفسية والتعرف على حكمة الجسد، والوصول إلى السلام الداخلي، ومعايشة تجليات اللحظة الراهنة، والاندماج مع الكون لتحقيق الفناء، ورابعة عبر الوصول إلى الشرارة الإلهية داخل النفس! والتي تعني إدراك النفس لحقيقتها الإلهية من خلال رفضها لـ"أنا" الدنيا واعتبارها مزيفة وعائقة للوصول إلى "الأنا" العليا وإعلان إلاهية الإنسان!

ولئن تعددت وسائل نكران الذات؛ إلا أن المحصلة من وراء ذلك هو تحصيل نوع من المعرفة، تتجلَّى معالمها حين يستسلم العقل لخطرات النفس المتولدة من نكران الذات ورفض الأنا، فيُظنُّ أنها معرفة مصدرها الإله!، وهي في حقيقتها وهم من أوهام النفس، وألم من آلام العقل.

هذه الفكرة التي صورتها الفلسفة الشرقية ولا سيما تعاليم الفيد الهندية القديمة، وقدمها أفلاطون في مثاليته حين يقرر أن معرفة الإنسان عن الحقيقة هي كمعرفة الجالسين في الكهف أمام النار ويرون ظلال اشخاص يمرون من خلفهم على جدار الكهف، فالعالم المادي ليس إلا انعكاسا لعالم المثل، ويجب أن تكون أعمال الإنسان متوافقة لما في عالم المثل كالرسام الذي يرسم الصورة ويعكسها في عالم الواقع والمشاهدة، وأي نقص في الصورة هو نقص في عمل الرسام، ولا يعود نقصه إلى عالم المثل.

وعودًا إلى عالم الحقيقة والوهم وفق التصور الفلسفي آنف الذكر، فإن ذلك التصور هو عين ما يقرره أرباب المدرسة الروحانية المعاصرة ورواد الفكر الباطني الحديث حين ينطلقون من قاعدة "الشبيه يجذب إليه شبيهه" في قانون الجذب الكوني ليفسروا حقيقة الذبذبات الكونية وتوافقها مع الذبذبات الإنسانية في عالم الأثير! يحصل ذلك من خلال التركيز والاهتمام ورفع الذبذبات المنبعثة من طاقة الإنسان لتتحد مع شبيهتها من طاقة الكون، فتحول الأمر المثير للاهتمام إلى واقع ملموس؛ ذلك لأن الكون في حالة استجابة دائمة للذبذبات التي يصدرها الإنسان، وسواء كانت سلبية أم إيجابية فإنهم يردون خلق الأفعال للإنسان نفسه، فإذا كانت ذبذباته منخفضة يكون قد جلب لنفسه الألم والمعاناة، وإن كانت عالية فإنه سيجذب السعادة والثروة!

وإذا كان الشبيه يجذب إليه شبيهه فلم العمل والسعي في الأرض وطلب الرزق!، يكفي أن يصدر الإنسان مجموعة من الذبذبات ليحقق له الكون ما يصبوا إليه، ولتتحول الخيالات والأحلام إلى عالم المادة والحواس.

حسنًا وإذا كان الأمر كذلك فإن الكثيرين من البؤساء والمحرومين والمرضى ممن لا يملكون طاقات عالية، وأصابهم الألم والمعاناة، كيف لهم أن يجذبوا سعادتهم وشفائهم، فهم لا يستطيعون؛ ذلك لأن طاقاتهم سلبية!، فما بالك بشفاء المريض وقناعة البئيس!!

 وبهذا يتضح أن قاعدة "الشبيه يجذب إليه شبيهه" ليست إلا دعوة لترك العمل، وعدم الأخذ بالأسباب، هروبًا من قانون الكارما أحد القوانين الروحية السبعة الذي يرد مصير الإنسان إلى الإنسان نفسه، وكل شيء يحدث؛ إنما يحدث كنتيجة لفعل آخر، سواء في هذه الحياة أو حياة سابقة.

إن قاعدة "الشبيه يجذب إليه شبيهه"، مجرد وهم، ولا حقيقة لها، الحقيقة تتجلَّى من خلال عبودية الإنسان لربه، فيخر ساجدًا، ويرفع أكفه بالدعاء والضراعة إلى خالقه ومولاه من أجل أن يحقق له الخير ويصرف عنه السوء والشر، والله يعين العبد على الفعل وأثناء الفعل، وإذا كان قانون الجذب الكوني هو السر الأعظم عند المؤمنين به؛ فإن الدعاء هو السر الأعظم الذي بين العبد وبين ربه، وفيها كمال عبودية المسلم لربه واستسلامه له، والله يقدر الخير، ودعاء المؤمن لا يُرد؛ إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف له من السوء مثلها، وهذه الأخيرة تضرب قاعدة الشبه وتجعلها لا شيء!.

 

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهدانا إلى الحق والصواب

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النية محلها العقل!

الرياضات الروحية، خطوة نحو التحرر الروحي!