نقاط الطاقة الحيوية في جسم الإنسان

الحقيقة الفلسفية والمآلات النفسية

مقال نقدي على ضوء الكتاب والسنة.  

يأتي ضمن سلسلة مقالات نقد #فلسفة_الطاقة_الكونية

 

 حسين السيد

💡 الطاقة الحيوية أو الطاقة الروحية أو الطاقة الكونية كلها مسميات لشيء واحد تهدف إلى الوصول إلى نشوة الشعور بالقوة والتحكم والسيطرة، فهي تعني الخلق والتدبير والتصرف في الكون من خلال الاتحاد بالقوة الغيبية الخفية، وهذه القوة يصل إليها الفرد من خلال الوعي الكوني الذي من أدواته ممارسة التأمل الكوني وممارسة الرياضات الروحية كما هو مقرر في الفكر الفلسفي الهندي القديم، ولست بصدد التعريف لهذه القوة؛ إلا أن ما يهمنا في هذا السياق هو ما قرره فلاسفة الفكر الشرقي القديم من أن الوصول إلى تلك القوة يجعل الإنسان متحدًا مع الإله! وبالتالي يصبح مصدرًا لتحقيق السعادة وتحصيل الشفاء بفضل ما يمتلكه من القوة الكونية التي ينظر إليها على أنها قوة إلهية مقدسة، بمعنى آخر؛ فإن هذه القوة اتحدت بالجسد المادي من خلال ما يعرف بالقنوات التشاكرية (Chakra Channels)، وهي قنوات وهمية تصورها الفلاسفة القدماء من أجل ربط الجسم المادي بالجانب الروحي، وهم في هذا السياق قسموا الأجسام إلى سبع طبقات، وكل طبقة تؤثر في الأخرى حتى تصل إلى الجسم المادي الذي يعتبر هو أضعف الأجسام وأثقلها، وتقسيمهم هذا قائم على تفسيرهم لحقيقة الإيمان ومدى التزام الفرد بالتعاليم الدينية، وبالتالي فإنهم فسروا الأمراض والشقاء والفقر والبؤس من هذا المنطلق، فكلما كان الفرد ضعيف الإيمان ظهرت لديه هذه الاعتلالات؛ لأنه لم يشحن نفسه بالطاقة الإلهية! وكلما كان الفرد متمسك بالتعاليم الدينية وإيمانه كان قويًّا كان هذا الأمر دافعًا له في تحقيق الاتحاد بالروح الكونية ووسيلة للهروب من دوامة التناسخ.

ولذلك كان رجال الدين وكهنة المعابد في الفكر الشرقي القديم هم من يملكون سيادة المجتمع لقربهم من الآلهة، وممارستهم لشعيرة التأمل والرياضات الروحية، وتلاوة المانترات والتعاويذ المقدسة، والتحصن بها، فهم بهذه الممارسات ظنوا أن الآلهة قد حلَّت فيهم! والحق؛ أن الذي حلَّ فيهم هو أثر تلك التعاويذ التي هي في حقيقتها نداء واستغاثة للقوى الغيبية، واستعانة بهم على تحقيق علاج أو دفع ضر أو جلب منفعة، مما هو معروف في علم السحر والشعوذة من حصول التأثر والتأثير.

يحصل ذلك من خلال اتحاد رجال الدين وكهنة المعابد مع القوى الغيبية الخفية، ومن ثم زعمهم أنهم يملكون القدرة على التحكم بالأعضاء الحيوية في جسم الإنسان، فيسخرون تلك القوى الغيبية الخفية ليتسللون إلى داخل تلك الأعضاء من خلال ما يسمونه بالقنوات الشاكرية، ويبثون تلك الطاقة إلى داخل أعضاء الجسم من أجل تحقيق الشفاء، تارة بقوة النظر، وأخرى بقوة اللمسة الشافية، ومرة بقوة التأثير على المادة بواسطة العقل، أو بواسطة الكلمة، ولا يخلو الأمر من ادعاء الخروج من الجسد أو ما يعرف بالإسقاط النجمي والسفر عبر الزمن لاستقراء الماضي واستكشاف المستقبل.    

وإذا نظرنا إلى طريقتهم في تحقيق الاتحاد بالقوى الغيبية الخفية؛ فإنها تحصل من خلال طرق معلومة قررها أولئك الفلاسفة القدماء، تأتي في مقدمتها ضرورة تحرير الروح والعقل من فوضى المادة وشهوتها، لأنهم يقررون أن النفس كلما كانت إلى الجسم المادي أقرب كانت من المصدر السماوي أبعد، ولأجل ذلك جاءوا بفكرة المانترات وهي الأصوات التي لها إيقاع تنفسي شهيقًا وزفيرًا، وبالتالي فإن هذا الصوت يتصف بكونه ذا نبض، ولكي يكون متوافق مع الشهيق والزفير لابد وأن يكون ذا ترنيمة، وحتى تنسجم النفس مع الكون؛ لا بد وأن يكون هنالك اعتقاد بتأثير الكلمة وصوتها على النفس لتذهب به في صمت تام وتتحد مع تلك القوى الغيبية التي يظن أنها من مصدر سماوي!

كما أن من الطرق الفلسفية لتحقيق الاتحاد مع القوى الغيبية هو ممارسة التأمل الكوني، وهو تأمل يفضي إلى توحيد الجسد مع العقل والنفس لتحقيق التحرر الروحي، وأولى خطواته يكمن من خلال نكران الذات وجعله وعاءً لمرور الطاقة الكونية! ومن ثمَّ الفناء بالروح بقوة الخيال العقلي في (الإله) الذي يتخيل أنه يسري داخل نقاط القنوات الشاكرية!

ومن الطرق الفلسفية أيضًا لتحقيق الاتحاد مع القوى الغيبية حرمان النفس من المطعم والمشرب، وتعريض الجسد للجوع والتعب، واتباع نظام غذائي قاس يهدف إلى الوصول إلى جانب من المعرفة الآتية من وراء ما يعتريه الإنسان من ألم الجوع.

هذه بعضًا من طرق الفلاسفة ووسائلهم لتحقيق الاتحاد بالقوى الغيبية، وهذه الطرق مآلاتها وخيمة على النفس والبدن، تؤدي إلى ما يدعيه رجال الدين وكهنة المعابد أن تلك القوة الغيبية يمكن تسييرها إلى داخل الجسم المادي بقوة الخيال العقلي، وعبر ترداد المانترات والأصوات المرنمة، وهي بدورها تساهم في وصول الفرد إلى النشوة الروحية! وهذا في الحقيقة لا واقع له إلا في الخيال الذهني، ومما هو معروف أن ربط بعض أعضاء الجسم بعناصر طبيعية واستدعاء تلك القوى هو ضرب من السحر والشعوذة، وكانت هذه الأساليب معروفة في الفكر الشرقي القديم، ولا سيما في فكر (فيد) الهندي، ومحاولة الشامان فهم حقيقة الوجود، ونظرة التاو للكون وتفسيرهم لفلسفة التغير.

كما أن من المآلات الوخيمة على سلوك هذا المسلك الفلسفي على الفرد هو تسليط مردة الجن وشياطينهم على النفس، ويظهر ذلك من خلال ادعائهم القدرة على فتح تلك القنوات الشاكرية، وهو ادعاء يظنه أولئك القوم أنه استكشاف لعالم الأرواح، لكنه في الحقيقة هو استطراق لعالم الجن والشياطين، ومن هنا ظهر ادعائهم بخوارق العادات وأنهم يملكون حاسة سادسة وعين ثالثة! فنشأت الأوهام التي يظنها الواحد منهم أنه في حالة تخاطر مع (الإله!) لكنه في الحقيقة في حالة تخاطر مع القوة الغيبية الخفية، ولذلك زعموا أن فتح هذه القنوات الشاكرية تعين على التقدم الروحي وتحقيق النشوة الروحية، والتنعم بمخاطبة (الآلهة) والاتحاد بها، وهذا يعني حصول العابد على مغفرة الإله ورضوانه، والحق أنه قد حصل على رضا معبوده من مردة الجن وشياطينهم، تلك هي عبادتهم، وتلك هي مصدر سعادتهم.   

كما أن من المآلات الخطيرة على سلوك هذا المسلك الفلسفي ترسيخ مبدأ الوساطة الإلهية بين الفرد وبين معبوده، وثمرتها على حساب المعتقد هو نفي قدرة الله -عز وجل- في الكون، وهو نفي يستلزم منه إثبات العجز في حقه -جل جلاله- ، وإثبات كمال قدرة الإنسان الكوني الذي يشفي ويغني ويخلق ويدبر ويتصرف في هذا الكون! وهذا خلل في الإيمان بالغيب الذي يقوم على التسليم للوحي والإيمان بما أخبرت به الرسل، وعلاقة الإنسان بربه لابد وأن تكون مستندة إلى مصدر معصوم لا يخالجه شك، ولا يتعقبه ريب، ولا يدركه وهم، ولا يدخله افتراء، بينما افتقد المسلك الفلسفي هذه الخصيصة؛ فكان من نتاجه أن أصبحت علاقة الفرد بربه علاقة مشوشة يشوبها الكثير من الغموض، وطريقه صعب ووعر، ومآله أن بعدت النفس البشرية عن نور الوحي الإلهي، وضلَّت عن الصراط المستقيم، والمنهج القويم، فاتخذت من دون الله أربابًا يعبدونهم من دون الله، ولم يكن عند أولئك الأرباب منهج يقوِّم سلوك الفرد، ويربطه بالإيمان بالغيب، ويجعله مطمئنًا ءامنا بالله مهتديًا للحق، وطامعًا لما أعده الله للمؤمنين في اليوم الآخر؛ اللهم إلا تقريرات تجعل من البعث والنشور قضية مختزلة ضمن الإطار الخيالي؛ غايته تحقيق الفرد للخلود الروحي، والتنعم بالحديث مع الكائنات الإلهية!

وأما ثمرتها على حساب الأخلاق والسلوك؛ فإن سمو الإنسان وارتقائه هو انعكاس لأخلاقه الظاهرة، ومعتقده الباطن، والإنسان الذي يُنظر إليه على أنه مدخل للعقل الإلهي أو مركزًا للمرور القوة الإلهية هو بنفسه عاجز على أن ينفع نفسه أو يدفع عنه ضر، بل يظل متوجهًا إلى الكون بما فيه من أشجار وأحجار وجمادات ومخلوقات، يستغيث بها لاستجلاب الطاقة الحيوية منها، ثم يتم الترويج لهذا السلوك الإنساني على أنه تحرر من الدين إلى حرية التدين الروحي، ويرد الإنسان إلى ذاته ليتلقى المعرفة منها! بل وإلى أبعد من ذلك؛ حين يكون مصدر المعرفة لدى ذلك الإنسان هي تلك الكائنات الروحية؛ فترشده إلى التنور والمعرفة! هذا هو حال الإنسان الذي يُنظر إليه على أنه مدخل للعقل الإلهي؛ بينما تظل الجموع الغفيرة من الناس، والتي لم تصل إلى مستوى الإنسان الإلهي تحت رحمته وتدبيره؛ يدبر أمرها بعقله القاصر! وإن قيمة الإنسان الحقيقية حين يدرك بوعيه أنه كائن مكرم، فلا فضل لأحد على أحد، وأنهم جميعًا عبيدًا لله -جل جلاله- وأن الكون مسخر لهم، وأن قيمة الإنسان الحقيقية لن تتحقق إلا بتحقيق العبودية لله رب العالمين، ويظهر أثرها على القول والفعل والسلوك.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهدانا إلى الحق والصواب

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


@HossainAlsyed


تعليقات

  1. السلام عليكم استاذ حسين اذا ممكن تتواصل معاي على الإيميل ضروري.
    Meemma556@gmail.com

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النية محلها العقل!

الرياضات الروحية، خطوة نحو التحرر الروحي!